تحية من القلب إلى قدسنا العربية وإلى الشعب الفلسطيني الصامد المقاوم، لقد مرّ على القدس أكثر من أربعة عقود وهي تئن تحت ظلام وظلم الاحتلال، منذ يونيو / حزيران 1967 والشعب الفلسطيني يعاني من القمع والاضطهاد، والأرض العربية الفلسطينية تصرخ من التهويد والتنكيل، فهل دم المستوطن والجندي الصهيوني يساوي دم مليون طفل عربي؟
كل الأديان السماوية بما فيها اليهودية، تقول العين بالعين والسن بالسن، فماذا نريد أن يقدمه الشعب الفلسطيني أكثر؟
ما يحدث في الأراضي المحتلة شيء يفوق الوصف، ولا تستطيع أية كلمات أن تعطيه حقه، البطولة، دماء طاهرة تكتب التاريخ من جديد يسطرونه بالدم البريء، وهذا التصعيد الهمجي اليومي من قبل الصهاينة لا يستكين، في القدس والضفة وغزة، قنابل وحرائق وتعذيب الشباب إلى حد الموت ثم التمثيل بجثثهم، هل شاهدتم الطفلة (ورد الشيخ) وهي بين الحرائق تبحث عن أهلها الذين استشهدوا جميعًا جراء القصف الصهيوني البغيض؟
شهداء بالمئات كالورد يتساقطون، من أجل أطهر السماوات التي تعتلي أطهر الأراضي، وسط هذه النار التي نصطلي فيها يومياً وتحرق قلوبنا، نود أن يخرج الناس، كل الشعب العربي في الشوارع معبرين عما بداخلهم من حرقة وألم وغضب.
الضعفاء في فلسطين واليمن استطاعوا بشجاعتهم عمل شيء لنجدة فلسطين، أما الأقوياء والقادرون حقًا على فعل شيء، فهم يبررون عجزهم بمنطق الجبناء!
ليمشي جنباً إلى جنب، الفقير مع الغني، المرأة مع الرجل، الشيعي بجانب السني، المسلم مع المسيحي، الحكومة مع الشعب، يتكاتف الجميع من أجل هدف واحد، القدس، حزن واحد، غضب واحد، وأمل واحد، وعلى الرغم من أن الشعب العربي عبَّر عن غضبه وعن رغبته في الدفاع عن الأقصى، إلا أن الدور الأكبر يقع الآن على الأنظمة العربية التي نتمنى منها ألا تتوانى لحظة واحدة عن تقديم المصلحة القومية على كل شيء، وأن تقاوم الضغوطات الأمريكية والصهيونية مهما كانت قوتها، لأن مستقبل هذه الأنظمة ومستقبل قيادتها الشخصية وأبنائهم، ومستقبل شعبهم وأرضهم، مرهون كله بهذه اللحظات الحرجة من عمر التاريخ.
فالجميع يعلم ماذا تعني سيطرة الكيان الغاصب على القدس، إنها تعني ببساطة سيطرة الصهاينة على المسجد الأموي، وعلى الحرمين الشريفين في مكة والمدينة، وعلى الأزهر الشريف، وعلى كل المساجد في الأردن والعراق والمغرب وتونس، وفي كل شبر أرض عربية ومسلمة.
إنهم يزرعون الفتنة الطائفية في كل قطر عربي، فبعد أن دمروا العراق سلموه إلى الحشد الشيعي، وبعد أن دمروا سوريا سلموها إلى الدواعش الُسنة، وكلاهما صناعة مخابراتية خالصة.
المشروع الصهيوني استيطاني يبدأ من فلسطين، ويمتد من النيل إلى الفرات وهدفه المشرق العربي كله، لذلك لا حدود لدولة إسرائيل، وكل ما حدث ويحدث في الوطن العربي من كوارث غير طبيعية، هي بفعل المتصهينون والمطبلون المدعومين من الصهيونية العالمية.
إن قرار ترامب بنقل السفارة الأميركية إلى القدس أسقط حل الدولتين، وأسقط اتفاقية أوسلو، وأسقط قرارات مجلس الأمن، وأسقط وساطة أمريكا في عملية السلام، وأي سلام؟
عملية السلام برمتها زائفة، والصهاينة وخلفهم أمريكا يراهنون على الوقت وسباق الزمن، فكلما كسبوا مزيداً من الوقت أصبح وجودهم أمراً مفروضاً وحقاً مكتسباً لهم، وتمر السنون وإذا هم يهيمنون على كل تراب الوطن العربي كله، فيا زعماء العالم العربي ويا شعوبها لا خيار لكم إلا دعم الشعب الفلسطيني على أرضه وبكل الوسائل الممكنة، لا خيار لكم إلا العمل لنصرة شعبنا المناضل في الأرض المحتلة، اوقفوا العدوان على غزة، فكل يوم نتأخر هو مكسب للعدو الصهيوني.
وللعلم إن الكونغرس الأمريكي أصدر قرار نقل السفارة منذ 1995، وكل رئيس أمريكي وصل إلى الرئاسة كان يؤجل تنفيذ القرار، إلى أن جاء ترامب وحقق ما يرغبه عتاة الحزبين الجمهوري والديمقراطي أعضاء أيباك المخلصين.
يقول الكاتب الفلسطيني خليل الحارثي "إن الكيان الصهيوني جاء على أساس مبادئ أربعة: المبدأ اللاهوتي، والأمن المطلق، والقوة العسكرية، وإحلال إسرائيل مكان فلسطين".
إن الكيان الصهيوني لا ينتعش إلا بالدم والنار، وقد قام على هذا الأساس وسيظل.
نعم هذا الكيان الصهيوني ماهر في تزيين نفسه بالكلمات التي تشنف لها الآذان مثل الحرية والديمقراطية والسلام، والتي تعني سفك الدم العربي وقتل الأطفال دون أية مبالاة بالقوانين الدولية.
إضاءة:
نهمس في آذان المطبعين والمروجين، أن ثلاثين عاماً من تطبيع النظامين المصري والأردني ومازال الشعبان يرفضان التطبيع، فما بالكم بالأقطار التي طبعت حديثاً ! حذار ثم حذار من ترويج التطبيع الشعبي من قبل المأجورين الخونة، ستنبذكم الشعوب، وحتى العدو لن يحترمكم، لأنكم أداة ما إن ينتهي دورها حتى تُلقى في مزبلة التاريخ، فالعدو يحلم بالتطبيع الشعبي لكنه حلم إبليس بالجنة.
----------------------
بقلم: د. أنيسة فخرو